يرى مراقبون أن قرار الصين بالرد على التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة، قد يفتح أبواباً جديدة لتدفق رؤوس الأموال الصينية نحو أسواق العملات الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين.
في خضم التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، يبرز سؤال محوري حول التأثير المحتمل لرد بكين على التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة.
هذا السيناريو، الذي سبق وأن شهدناه في فترات سابقة من عدم الاستقرار الاقتصادي، يكتسب زخماً خاصاً في ظل سعي المستثمرين الصينيين إلى البحث عن ملاذات آمنة وأصول بديلة لحماية ثرواتهم من تداعيات السياسات النقدية وتقلبات أسعار الصرف.
تتجه الأنظار حالياً نحو البنك المركزي الصيني وإجراءاته المحتملة، والتي قد تكون بمثابة الشرارة التي تعيد إشعال سوق العملات المشفرة الصاعدة.
فهل سيتبع البنك المركزي الصيني استراتيجية تخفيض قيمة اليوان كورقة ضغط في مواجهة التعريفات الأمريكية؟ وإذا ما حدث ذلك، فهل سيشهد سوق العملات الرقمية موجة جديدة من الاستثمارات الصينية الباحثة عن بدائل للعملة المحلية؟ هذه التساؤلات وغيرها تشكل محور تحليلنا المعمق لتداعيات هذه التطورات الجيوسياسية على مستقبل سوق الأصول الرقمية.
انخفاض قيمة اليوان وتدفقات رأس المال إلى البيتكوين تاريخيا
لطالما كانت العلاقة بين قيمة اليوان الصيني وسوق البيتكوين محط اهتمام المحللين والمتداولين على حد سواء. ففي أوقات سابقة شهدت انخفاضاً في قيمة العملة الصينية، لوحظ ارتفاع في الاهتمام بالبيتكوين كأصل بديل.
تجارب الماضي: 2015 و 2019 كنماذج محتملة
في أغسطس من عام 2015، عندما خفضت الصين قيمة اليوان بنحو 2% مقابل الدولار الأمريكي في أكبر انخفاض يومي له منذ عقود، شهد سوق البيتكوين اهتماماً متزايداً، على الرغم من أن العلاقة السببية المباشرة لا تزال محل نقاش.
وبالمثل، عندما تجاوز سعر صرف اليوان حاجز 7 يوانات للدولار الواحد في أغسطس 2019، تزامن ذلك مع ارتفاع ملحوظ في سعر البيتكوين، حيث أشار بعض المحللين آنذاك إلى أن المستثمرين الصينيين كانوا يستخدمون البيتكوين كأداة تحوط في ظل تراجع قيمة عملتهم المحلية.
تأكيد Grayscale على دور انخفاض قيمة اليوان على نمو البيتكوين
في عام 2019، أشارت شركة Grayscale، المتخصصة في إدارة الأصول الرقمية، إلى أن انخفاض قيمة اليوان كان عاملاً محفزاً لارتفاع أسعار البيتكوين في ذلك الوقت. هذا التأكيد من مؤسسة مرموقة يعزز من فكرة وجود علاقة بين السياسات النقدية الصينية وتدفقات رأس المال نحو العملات المشفرة.
توقعات آرثر هايز: البنك المركزي الصيني قد يشعل السوق الصاعدة
يتبنى آرثر هايز، المؤسس المشارك لبورصة BitMEX، رؤية مماثلة، حيث يرى أن البنك المركزي الصيني قد يكون المحفز الرئيسي لاستئناف دورة صعود البيتكوين.
يرى هايز أنه إذا قام البنك المركزي الصيني بتخفيض قيمة اليوان، فإن ذلك سيؤدي إلى تعزيز فكرة "هروب رؤوس الأموال الصينية إلى البيتكوين". ويستند في هذا التوقع إلى تجارب سابقة في الأعوام 2013 و 2015، معتقداً أن هذا السيناريو يمكن أن يتكرر في عام 2025 في ظل الظروف الاقتصادية والجيوسياسية الراهنة.
تأييد بن تشو لتأثير انخفاض اليوان على البيتكوين تاريخياً
يتفق بن تشو، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمنصة Bybit، مع هذا الرأي، مشيراً إلى أن الصين ستحاول خفض قيمة اليوان لمواجهة تأثير التعريفات الجمركية. ويضيف أن التاريخ يشير إلى أنه كلما انخفضت قيمة اليوان، شهدنا تدفق كميات كبيرة من رأس المال الصيني إلى البيتكوين، وهو ما يعتبر إيجابياً لسعر العملة الرقمية الرائدة.
![]() |
تغريدة بن تشو و آرثر هايز على تويتر |
البيتكوين كأداة للتحوط وتجنب الرقابة على رأس المال
يتجاوز الدافع وراء تدفق رؤوس الأموال الصينية إلى البيتكوين مجرد التحوط من انخفاض قيمة العملة المحلية، ليشمل أيضاً الرغبة في الحفاظ على الثروة وتجاوز القيود الحكومية على حركة رؤوس الأموال.
يرى محللون أن الأفراد الصينيين الأثرياء ربما استخدموا العملات المشفرة في الماضي للحفاظ على ثرواتهم ونقلها بعيداً عن متناول الحكومة وتجنب الضوابط والقيود المفروضة على رأس المال داخل البلاد.
يُعتقد أيضاً أن تخفيض قيمة العملة يضر بثقة الأفراد في البنوك المركزية والإدارة المالية الحكومية، مما يدفعهم نحو بدائل لامركزية مثل البيتكوين. فاللامركزية التي تتمتع بها العملات المشفرة توفر درجة من الاستقلالية والحماية من التدخلات الحكومية التي قد لا تتوفر في الأنظمة المالية التقليدية.
التصعيد الأمريكي والرد الصيني
تأتي هذه التكهنات في أعقاب تصعيد جديد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث تعهد الرئيس الأمريكي بفرض تعريفات جمركية إضافية على البضائع الصينية.
في المقابل، ردت الصين بحزم على هذه التهديدات، مؤكدة أنها "ستقاتل حتى النهاية" للدفاع عن مصالحها. وأعلنت وزارة التجارة الصينية في بيان لها أنه "إذا نفذت الولايات المتحدة إجراءات تعريفية متصاعدة، فإن الصين ستتخذ تدابير مضادة حازمة لحماية مصالحها الخاصة". هذا التصعيد يزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي ويدفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة.
ختاما، يبدو أن رد الصين على التعريفات الجمركية الأمريكية قد يحمل في طياته تحولاً جديداً في ديناميكيات أسواق العملات الرقمية.
فإذا ما قرر البنك المركزي الصيني استخدام سلاح تخفيض قيمة اليوان، فمن المرجح أن نشهد تدفقاً متزايداً لرؤوس الأموال الصينية نحو البيتكوين والأصول المشفرة الأخرى، بحثاً عن ملاذ آمن وحماية من تداعيات الحرب التجارية.
يبقى السؤال: هل ستكون هذه الموجة الاستثمارية كافية لإعادة إطلاق السوق الصاعدة بقوة؟ وما هي الإجراءات الأخرى التي قد تتخذها الصين في هذا الصراع الاقتصادي؟ ننتظر تفاعلاتكم وآرائكم حول هذا الموضوع.