يشهد سوق العملات الرقمية تطورات متسارعة ومؤثرة بشكل يومي، حيث تتشابك الابتكارات التكنولوجية مع التحديات الأمنية والتنظيمية. أبرز أخبار العملات الرقمية اليوم، الموافق 16 ماي 2025، تمثلت في حدثين بارزين لهما أهمية قصوى للمتداولين والمتحمسين على حد سواء:
- حادثة أمنية كبيرة تتعلق بمنصة Coinbase.
- تيليجرام يغلق أكبر سوق للشبكة المظلمة على الإطلاق.
تلقي هذه الأحداث الضوء مجددًا على الطبيعة المزدوجة لقطاع العملات الرقمية، الذي يعد بفرص واعدة للابتكار واللامركزية، ولكنه يواجه باستمرار تهديدات أمنية معقدة ومحاولات لاستغلاله في أنشطة غير مشروعة. سنتناول في هذه المقالة تفصيلاً لهذين الخبرين الرئيسيين، مع تحليل أبعادهما وتأثيراتهما المحتملة على مستقبل الأمن والثقة في منظومة الأصول الرقمية.
حادثة اختراق البيانات ومطالب الفدية في Coinbase
تعد Coinbase واحدة من أكبر وأبرز منصات تداول العملات الرقمية في العالم، وتتمتع بثقة قطاع واسع من المستخدمين. إلا أنها لم تسلم من محاولات الاستهداف من قبل الجهات الخبيثة. اليوم، تتصدر Coinbase عناوين أخبار العملات الرقمية بسبب حادثة أمنية كشفت عن ثغرات محتملة تتعلق بالوصول إلى بيانات المستخدمين، بالإضافة إلى محاولة ابتزاز بملايين الدولارات.
تفاصيل الهجوم ودور العملاء المتعاقدين
بدأت تفاصيل هذه الحادثة تتكشف لتظهر أن الهجوم لم يكن مجرد اختراق خارجي تقليدي، بل تورط فيه على ما يبدو عملاء متعاقدون يقدمون خدمات دعم العملاء للمنصة، وتحديداً من خارج الولايات المتحدة. تشير التقارير الأخيرة إلى أن مجموعة من قراصنة الإنترنت تمكنوا من رشوة وتنسيق الجهود مع عدد من هؤلاء العملاء المتعاقدين للحصول على وصول غير مصرح به إلى أنظمة دعم العملاء الداخلية.
استغل هؤلاء العملاء المتعاقدون وصولهم هذا لسرقة مجموعة محدودة من بيانات حسابات المستخدمين. من المهم الإشارة إلى أن Coinbase أكدت أن كلمات المرور أو المفاتيح الخاصة أو أموال المستخدمين نفسها أو حسابات Coinbase Prime لم تتأثر بشكل مباشر في هذه المرحلة من الهجوم. ومع ذلك، فإن الوصول إلى بيانات الحسابات يمثل خطورة بالغة، حيث يمكن استخدامه في هجمات تصيد (phishing) موجهة وأكثر إقناعاً، وهو ما حدث بالفعل.
تشير التقارير إلى أن Coinbase قد قامت بالفعل بفصل مجموعة من عملاء دعم العملاء المتعاقدين، لا سيما أولئك المتمركزين في الهند، وذلك بناءً على الاشتباه في تورطهم في هذه الهجمات الهندسية الاجتماعية التي استهدفت المستخدمين. يمثل هذا النوع من التهديدات الداخلية أو التي تتسرب عبر أطراف ثالثة تحديًا كبيرًا للمنصات الكبرى، حيث يتطلب الأمر إجراءات أمنية مشددة لا تشمل الأنظمة التقنية فحسب، بل تمتد لتشمل عمليات فحص وتدريب ومراقبة صارمة للموظفين والمتعاقدين الذين يملكون امتيازات وصول.
محاولة الابتزاز ورفض Coinbase دفع الفدية
بعد حصول المهاجمين على بيانات المستخدمين، لم يترددوا في محاولة استغلال الموقف لتحقيق مكاسب مالية كبيرة. كشفت Coinbase أن المهاجمين حاولوا ابتزاز المنصة مطالبين بفدية قدرها 20 مليون دولار أمريكي، تحديداً على هيئة عملات بيتكوين (BTC). كان هدفهم من هذه المطالبة هو منعهم من الكشف عن تفاصيل هذا الاختراق للرأي العام أو بيع البيانات المسروقة في السوق السوداء.
ومع ذلك، اتخذت Coinbase موقفاً حازماً برفض دفع هذه الفدية. يعتبر هذا القرار شائعاً بين الشركات الكبرى عند مواجهة هجمات الفدية، حيث أن دفع الفدية لا يضمن استعادة البيانات أو عدم الكشف عن الاختراق في المستقبل، بل قد يشجع المهاجمين على استهداف المنصة مرة أخرى في المستقبل. كما أنه يرسل رسالة قوية بأن المنصة لن ترضخ للابتزاز.
يعكس رفض دفع الفدية التزاماً بمبدأ عدم التفاوض مع المجرمين، ولكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام تداعيات أخرى محتملة، مثل قيام المهاجمين بالفعل بتسريب البيانات المسروقة. يتطلب هذا الموقف استعداداً كاملاً للتعامل مع العواقب المحتملة وتكثيف جهود حماية المستخدمين المتأثرين.
التكاليف المتوقعة لتعويض المستخدمين
على الرغم من رفض دفع الفدية للمهاجمين، تواجه Coinbase الآن فاتورة باهظة تتعلق بتعويض المستخدمين المتضررين وتغطية التكاليف المرتبطة بمعالجة آثار الهجوم. أعلنت Coinbase أنها ستقوم بتعويض المستخدمين الذين وقعوا ضحية لعمليات الاحتيال والتصيد التي تمت باستخدام البيانات المسربة. تم الإبلاغ عن هذه التكاليف المتوقعة في إيداع رسمي للجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) في 15 ماي 2025، وهو إجراء ضروري للشركات العامة عند وقوع أحداث ذات تأثير مالي كبير.
تتراوح التقديرات الأولية لهذه التكاليف بين 180 مليون دولار و 400 مليون دولار أمريكي. تشمل هذه التكاليف "التعويضات الطوعية للعملاء" بالإضافة إلى النفقات الأخرى المرتبطة بجهود المعالجة والتحقيق. يمثل هذا المبلغ تحدياً مالياً كبيراً للمنصة، حتى وإن كانت تملك احتياطيات قوية. كما أنه يسلط الضوء على حجم الأضرار التي يمكن أن تنجم عن حادثة أمنية، حتى لو لم يتم اختراق الأموال مباشرة.
تبين تقديرات التكلفة هذه أهمية الأمن السيبراني والاستثمار فيه بالنسبة لمنصات العملات الرقمية. فتكلفة الوقاية غالباً ما تكون أقل بكثير من تكلفة الاستجابة للخرق ومعالجة آثاره. كما أنها تضع معياراً لمدى مسؤولية المنصات تجاه مستخدميها في حالات الاختراق التي تؤدي إلى خسائر للمستخدم بسبب استغلال بياناته.
تداعيات الحادثة على أمن المستخدمين وثقة السوق
تتجاوز تداعيات حادثة Coinbase الأبعاد المالية للمنصة والمستخدمين المتأثرين مباشرة. إنها تثير قلقاً أوسع بشأن أمن بيانات المستخدمين في منصات التداول المركزية، وتحديداً مدى حصانتها ضد التهديدات الداخلية أو تلك التي تنبع من سلاسل التوريد (مثل المتعاقدين من الأطراف الثالثة).
يظهر الحادث كيف يمكن لبيانات المستخدمين، حتى وإن لم تكن كلمات مرور أو مفاتيح خاصة، أن تستغل بشكل فعال في هجمات تصيد متطورة. قصة Qiao Wang، أحد المساهمين الأساسيين في Alliance DAO، التي أشار إليها في منشور له، تعد مثالاً حياً على ذلك. حيث تواصل معه محتال يدعي أنه من Coinbase، مستخدماً على الأرجح البيانات المسربة لإضفاء المصداقية على الاتصال، وحاول إقناعه بسحب أمواله إلى محفظة "خدمة ذاتية" تابعة لـ Coinbase، وهي حيلة شائعة لاستهداف الأصول.
![]() |
تغريدة Qiao Wang على تويتر |
هذه الحادثة قد تؤثر على ثقة المستخدمين في المنصات المركزية، وتشجع البعض على التوجه نحو حلول التخزين البارد (مثل محافظ Ledger) التي تمنح المستخدمين تحكماً كاملاً في مفاتيحهم الخاصة وبالتالي في أموالهم. كما أنها تضع ضغطاً إضافياً على منصات التداول لتعزيز إجراءات الأمن، ليس فقط التقنية، بل أيضاً الإجرائية والبشرية، خاصة فيما يتعلق بالوصول إلى بيانات العملاء والتعامل مع الموظفين والمتعاقدين.
يمكنك إلقاء نظرة على محافظ Ledger.
بالنسبة للسوق بشكل عام، قد تؤدي مثل هذه الأخبار إلى تقلبات قصيرة الأجل في أسعار الأصول الرقمية، لا سيما تلك المرتبطة بالمنصة المتضررة. على المدى الطويل، يعتمد التأثير الكلي على كيفية استجابة Coinbase لهذه الأزمة ومدى فعاليتها في استعادة ثقة المستخدمين وتجنب تكرار مثل هذه الحوادث.
إغلاق أكبر سوق للظلام (Darknet) على الإطلاق بعد حملة تلغرام
في تطور آخر مهم يهم عالم أخبار العملات الرقمية ويكشف عن الجانب المظلم من استخداماتها، أعلن أحد أكبر أسواق الظلام الرقمية وأكثرها شهرة، المعروف سابقاً باسم Huione Guarantee وحالياً Haowang Guarantee، عن إغلاقه بشكل دائم. يأتي هذا الإغلاق في أعقاب حملة واسعة النطاق نفذتها خدمة المراسلة الشهيرة تلغرام استهدفت بنيته التحتية على المنصة.
هوية السوق وعملياته المشبوهة
كان Haowang Guarantee يُعتبر على نطاق واسع أكبر سوق للظلام على الإطلاق، وهو منصة متخصصة في تسهيل الأنشطة الإجرامية عبر الإنترنت. كانت المنصة تعمل كوسيط (ضامن) للصفقات المشبوهة، وتوفر بيئة لتداول مجموعة واسعة من السلع والخدمات غير القانونية، بما في ذلك البيانات المسروقة، والمواد الاحتيالية، والأسلحة، والمخدرات، وغيرها.
كانت العملات الرقمية، وخاصة البيتكوين، هي وسيلة الدفع المفضلة على هذا النوع من المنصات، نظراً لإمكانية استخدامها لإخفاء مصدر الأموال وتعقبها. وبالتالي، كان إغلاق مثل هذه الأسواق يعتبر انتصاراً مهماً في الحرب ضد استخدام العملات الرقمية في الأنشطة الإجرامية.
كان Haowang Guarantee يعمل بشكل رئيسي من خلال شبكة واسعة من الحسابات والقنوات والمجموعات على خدمة المراسلة تلغرام، مستغلاً طبيعة تلغرام التي توفر مستوى عالٍ من الخصوصية وقدرات الاتصال الجماعي لتنظيم عملياته والتواصل مع البائعين والمشترين.
دور تلغرام في عملية الإغلاق
لعبت خدمة المراسلة تلغرام دوراً محورياً ومباشراً في إنهاء عمليات Haowang Guarantee. في 13 ماي 2025، نفذت تلغرام حملة حظر شاملة استهدفت الآلاف من الحسابات وأسماء المستخدمين والقنوات والمجموعات المرتبطة بسوق Haowang Guarantee. كانت هذه البنية التحتية الرقمية هي العمود الفقري لعمليات السوق وتواصلاته.
![]() |
المصدر: Chainalysis |
جاءت هذه الخطوة من تلغرام استجابة لتقارير عديدة من جهات التحليل الجنائي لتقنية البلوك تشين ومنظمات أخرى تسلط الضوء على الأنشطة الإجرامية التي تسهلها هذه المنصة عبر شبكتها على تلغرام. أكد متحدث باسم تلغرام أن "المجتمعات التي تم الإبلاغ عنها سابقًا لنا أو المضمنة في التقارير المنشورة قد تم إغلاقها جميعًا"، مضيفاً أن "الأنشطة الإجرامية مثل الاحتيال أو غسيل الأموال محظورة بموجب شروط خدمة تلغرام ويتم إزالتها دائمًا عند اكتشافها."
على الرغم من أن تلغرام واجهت في السابق انتقادات بسبب استضافتها لمجموعات وقنوات مرتبطة بأنشطة غير مشروعة، فإن هذه الحملة ضد Haowang Guarantee تظهر استعداداً أكبر لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد الشبكات الإجرامية الكبيرة التي تستغل المنصة. هذا التعاون بين منصات التواصل وجهات تطبيق القانون وشركات تحليل البلوك تشين يعتبر ضرورياً لمكافحة الجريمة الإلكترونية التي تستخدم الأصول الرقمية.
تأثير الإغلاق على منظومة الجريمة الإلكترونية
يمثل إغلاق Haowang Guarantee ضربة قوية لمنظومة الجريمة الإلكترونية العالمية. كونه كان يعتبر الأكبر في هذا المجال، فإن تعطيله سيؤثر بشكل كبير على قدرة المجرمين على شراء وبيع السلع والخدمات غير القانونية باستخدام العملات الرقمية على هذا النطاق الواسع.
من المتوقع أن يجبر هذا الإغلاق المجرمين على البحث عن منصات بديلة، والتي قد تكون أصغر حجماً وأقل كفاءة، أو الانتقال إلى طرق اتصال أخرى أقل أماناً وخصوصية. ومع ذلك، فإن تاريخ أسواق الظلام يظهر أن الإغلاق غالباً ما يؤدي إلى ظهور أسواق جديدة تحاول ملء الفراغ. وبالتالي، فإن هذا الإغلاق يمثل انتصاراً في معركة مستمرة، ويتطلب يقظة مستمرة من جهات تطبيق القانون والشركات الأمنية لمواجهة التحديات الجديدة التي ستظهر.
على الرغم من أن إغلاق Haowang Guarantee قد لا يوقف جميع الأنشطة الإجرامية التي تستخدم العملات الرقمية، إلا أنه يعطل شبكة إجرامية كبيرة ويجعل من الصعب على المجرمين العمل بنفس السهولة والنطاق الذي كانوا عليه. كما أنه يرسل رسالة واضحة بأن المنصات التي تسهل هذه الأنشطة ستواجه إجراءات حاسمة.
استنتاج
تؤكد أبرز أخبار العملات الرقمية اليوم، 16 ماي 2025، على الطبيعة المتقلبة والمتطورة لقطاع الأصول الرقمية. حادثة Coinbase تذكرنا بالتحديات الأمنية المستمرة، لا سيما فيما يتعلق بالتهديدات الداخلية وحماية بيانات المستخدمين في المنصات المركزية، وتضع تحدياً كبيراً أمام المنصة لإعادة بناء الثقة وتعويض المتضررين.
في المقابل، يمثل إغلاق أكبر سوق للظلام على الإطلاق خطوة إيجابية في جهود مكافحة استغلال العملات الرقمية في الأنشطة الإجرامية. هذه التطورات تسلط الضوء على الحاجة المستمرة إلى اليقظة والتعاون بين جميع الأطراف الفاعلة في النظام البيئي للعملات الرقمية لضمان نموه بطريقة آمنة ومستدامة، بعيداً عن مخاطر الاحتيال والجريمة المنظمة.